responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 126
الْحُكْمُ الثَّانِي قَوْلُهُ: وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وقوله: أَجْدَرُ أَيْ أَوْلَى وَأَحَقُّ، وَفِي الْآيَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَأَجْدُرُ بِأَنْ لَا يَعْلَمُوا. وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ حُدُودِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مَقَادِيرُ التَّكَالِيفِ وَالْأَحْكَامِ. وَقِيلَ:
مَرَاتِبُ أَدِلَّةِ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا فِي قُلُوبِ خَلْقِهِ حَكِيمٌ فِيمَا فَرَضَ مِنْ فَرَائِضِهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً [إلى آخر الآية] وَالْمَغْرَمُ مَصْدَرٌ كَالْغَرَامَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الَّذِي يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غَرَامَةٌ وَخُسْرَانٌ، وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُنْفِقُ إِلَّا تَقِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرِيَاءً، لَا لِوَجْهِ اللَّهِ وَابْتِغَاءِ ثَوَابِهِ وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ يَعْنِي الْمَوْتَ وَالْقَتْلَ، أَيْ يَنْتَظِرُ أَنْ تَنْقَلِبَ الْأُمُورُ عَلَيْكُمْ بِمَوْتِ الرَّسُولِ، وَيَظْهَرَ عَلَيْكُمُ الْمُشْرِكُونَ. ثُمَّ إِنَّهُ أَعَادَهُ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَالدَّائِرَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً غَالِبَةً، وَهِيَ إِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي آفَةٍ تُحِيطُ بِالْإِنْسَانِ كَالدَّائِرَةِ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْهَا مُخَلِّصٌ، وَقَوْلُهُ: السَّوْءِ قُرِئَ بِفَتْحِ/ السِّينِ وَضَمِّهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: فَتْحُ السِّينِ هُوَ الْوَجْهُ، لِأَنَّهُ مَصْدَرُ قَوْلِكَ: سَاءَ يسوء سوأ أَوْ مُسَاءَةً وَمَنْ ضَمَّ السِّينَ جَعَلَهُ اسْمًا، كَقَوْلِكَ: عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ الْبَلَاءِ وَالْعَذَابِ، وَلَا يَجُوزُ ضَمُّ السِّينِ فِي قَوْلِهِ: مَا كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ [مَرْيَمَ: 28] وَلَا فِي قَوْلِهِ: وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ [الْفَتْحِ:
12] وَإِلَّا لَصَارَ التَّقْدِيرُ: مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ عَذَابٍ، وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ الْعَذَابِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَنْ فَتَحَ السِّينَ، فَهُوَ كَقَوْلِكَ: رَجُلُ سَوْءٍ، وَامْرَأَةُ سَوْءٍ. ثُمَّ يُدْخِلُ الْأَلِفَ وَاللَّامَ. فَيَقُولُ: رَجُلُ السَّوْءِ وَأَنْشَدَ الْأَخْفَشُ:
وَكُنْتُ كَذِئْبِ السَّوْءَ لَمَّا رَأَى دَمًا ... بِصَاحِبِهِ يَوْمًا أَحَالَ عَلَى الدَّمِ
وَمَنْ ضَمَّ السِّينَ أَرَادَ بِالسُّوءِ الْمَضَرَّةَ وَالشَّرَّ وَالْبَلَاءَ وَالْمَكْرُوهَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ الْهَزِيمَةِ وَالْمَكْرُوهِ، وَبِهِمْ يَحِيقُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: لَوْ لَمْ تُضَفِ الدَّائِرَةُ إلى السوء أو السوء عُرِفَ مِنْهَا مَعْنَى السُّوءِ، لِأَنَّ دَائِرَةَ الدَّهْرِ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْمَكْرُوهِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْمَعْنَى يَدُورُ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ وَالْحَزَنُ، فَلَا يَرَوْنَ فِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ودينه إلا ما يسوءهم.
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِقَوْلِهِمْ: عَلِيمٌ بِنِيَّاتِهِمْ.

[سورة التوبة (9) : آية 99]
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ حَصَلَ فِي الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ إِنْفَاقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَغْرَمًا، بَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ فِيهِمْ قَوْمًا مُؤْمِنِينَ صَالِحِينَ مُجَاهِدِينَ يَتَّخِذُ إِنْفَاقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَغْنَمًا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ هَذَا الْفَرِيقَ بِوَصْفَيْنِ: فَالْأَوَّلُ: كَوْنُهُ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي جميع الطاعات من تقدم الْإِيمَانِ، وَفِي الْجِهَادِ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُهُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ، وَفِيهِ بَحْثَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ فِي الْقُرُبَاتِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، ضَمُّ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 126
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست